{إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)} [النور: 24/ 51- 54].هذه هي صفة المؤمنين المميزة لهم بحق، قورنت مع صفة المنافقين في آيات سابقة، أما المؤمنون فإنهم قولا وفعلا، ظاهرا وباطنا، يسمعون ويطيعون، وأما المنافقون فطاعتهم مجرد تصنع وتظاهر بالطاعة، مع خلو القلب والنفس من معاني الطاعة الحقيقية.إن شأن أهل الإيمان الصادقين في إيمانهم: أنهم إذا طالبهم أحد إلى حكم الله ورسوله في منازعاتهم وإلى شرع الله ودينه أن يبادروا إلى القول: سمعنا وأطعنا، فاستحقوا الوصف بالفلاح والنجاة، ونيل الآمال المطلوبة، والسلامة من المرهوب وكل مخيف.وأكد الله تعالى بشارة المؤمنين بالفلاح في الآخرة والدنيا، بالفوز بكل خير، والأمن من كل شر، في الدنيا والآخرة، فكل من يطيع الله ورسوله في كل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وخاف الله فيما مضى من ذنوبه، واتقاه في مستقبل أيامه، فأولئك هم الذين فازوا فوزا ساحقا، في حياة الدنيا وحياة الآخرة. والمفلحون: هم البالغون آمالهم في دنياهم وآخرتهم، وهم أيضا الفائزون في قصب السبق والتنافس مع الآخرين.ثم قارن الله تعالى حال المؤمنين هذا، بحال المنافقين في كل زمن، فلقد كان أهل النفاق يحلفون للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم مغلّظين الأيمان، مبالغين فيها إلى غايتها أو نهايتها، ومضمون حلفهم: لئن أمرتهم أيها الرسول بالجهاد، والخروج لمواجهة الأعداء، ليخرجن كما طلبت، فكذبهم الله تعالى في هذه الأيمان الكاذبة بقوله: قل يا محمد لهم: لا تحلفوا، فإن المطلوب منكم طاعة معروفة: هي الصدق باللسان، وتصديق القلب والأفعال، طاعة تعرف منكم، وتظهر عليكم في الظاهر والباطن، هي المطلوبة منكم، أما طاعتكم التي تتظاهرون بها، فهي رديّة كاذبة لا قيمة لها، وأيمانكم كاذبة، واضحة الكذب، فكلما حلفتم كذبتم، كما قال الله تعالى: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96)} [التوبة: 9/ 96].إن الله مطلع على أعمالكم الظاهرة والباطنة، خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، يعلم بأيمانكم الكاذبة، وبكل ما في ضمائر عباده من الكفر، والنفاق، وخداع المؤمنين، فيجازيكم على كل عمل سوء، وهذا تهديد ولوم ووعيد.ثم فتح الله باب الأمل لهم، ورغّبهم ورهّبهم، فقل لهم أيها النبي: اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله، والآية مخاطبة مباشرة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار، وكلّ ممتنع عن أمر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم. وثمرة الطاعة الصادقة معروفة، فإنكم إن تطيعوا هذا الرسول، فيما أمركم به ونهاكم عنه، تهتدوا إلى الحق، لأنه يدعو إلى صراط مستقيم، وليس للرسول سلطان الإكراه والإجبار لأحد، فما على الرسول إلا التبليغ البيّن الواضح لأوامر الله ووحيه، وما تحتاجون إليه في مسيرة الحياة، وهذا هو شأن الرسول، كما جاء في آيات أخرى مثل قوله تعالى: {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ} [الرعد: 13/ 40]. وقوله سبحانه: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} [الغاشية: 88/ 21- 22].تحدد هذه الآيات مهمتين أساسيتين للرسول وللناس، أما مهمة الرسول التي حمّله الله تعالى أمانتها وأوجبها عليه: فهي التبليغ لوحي الإله، ومحاولة إصلاح الناس بالرسالة الإلهية، وإعماله الجهد في إنذارهم وتحذيرهم من مغبة العصيان والمخالفة، وأما مهمة الناس: فهي السمع والطاعة لأمر الله ورسوله، واتباع الحق، وتجنب الظلم والباطل.وإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فإنه سبحانه يعلم علما دقيقا تاما، بأحوال الأيمان الصادرة عن الإنسان، أهي صادقة معبرة عن الحقيقة والواقع أم كاذبة مناقضة لهما؟ ولا تفيد الأيمان الكاذبة شيئا، وإنما تكون وبالا على حالفيها لأنهم كاذبون، وللكذب جزاء مؤكد، كما لترك الإيمان ومعاداة رسالة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم جزاء آخر، وعقاب أليم في الدار الآخرة.مقومات أهل الإيمان في الحكم:يتميز المؤمنون الصالحون بأنهم في جميع أحوالهم رسل هداية، ودعاة صلاح وإصلاح، يعبدون ربهم عبادة خالصة لا يشوبها شيء من الإشراك والضلال، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون رسول الحق والهداية، والعدل والفضيلة، ويتجنبون كل فساد وإفساد، وتخريب، وإهانة، وإذلال، أو امتهان لكرامة الإنسان. وهذه المقومات هي التي مكّنت للمؤمنين في الأرض، وعزّزت بقاء عقيدة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، قال الله تعالى مبينا هذه الخصائص ليعيها سلاطينهم وحكامهم على الدوام: